استعرض وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، تفاصيل “مضمون الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى”، خلال لقاء تواصلي جاء بناء على التعليمات الملكية بضرورة التواصل وإخبار الرأي العام بمستجدات ومخرجات مراجعة مدونة الأسرة.
وقال التوفيق، متحدثا أمام وسائل الإعلام الوطنية والدولية، إن “رأي المجلس العلمي الأعلى جاء مطابقا موافقا لأغلب المسائل والقضايا التي رفعت إليه (البالغ عددها 17)”، قبل أن يوضح أن “المجلس العلمي الأعلى ولجانه المختصة تقترح فيها حلولا بديلة من الأفضل الأخذ بها”، حسب تعبيره.
الوزير، بصفته عضوا بالمجلس العلمي الأعلى، أبرز إمكان موافقة البعض الآخر منها لمقتضى الشريعة، مبينا أن ثلاثا منها تتعلق بنصوص قطعية لا تُجبز الاجتهاد فيها، وهي المرتبطة بـ”استعمال الخبرة الجينية للُّحوق وإثبات النسب”، وكذا “إلغاء العمل بقاعدة التعصيب”، ثم “التوارث بين المسلم وغير المسلم”.
البيعة و”الكليات الخمس”
وبدا لافتا ضمن كلمة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية تجديد رسوخ العلاقة بين إمارة المؤمنين والعلماء في سياق إشراكهم وأخذ رأيهم بخصوص مسائل المدونة ذات النظر الشرعي، مشددا على أنها ذات خصوصية مغربية واضحة مبنية على “البيعة الشرعية المكتوبة”. وزاد التوفيق أن “البيعة تتعلق بالمشروعية في النظام الإسلامي الشرعي الذي احتفظ به المغرب ويتميز به، والحمد لله”.
وقال شارحا: “لا يمكن فهم هذه العلاقة وهذا الاستفتاء والإفتاء إلا في إطار أمور منها البيعة الشرعية المكتوبة، التي تعد مبنية على الكليات الخمس (حفظ الدين، وأمن النفوس والنظام العام المعبر عنه عند الفقهاء بالعقل، وأن يحفظ للأمة العيش أو الاقتصاد وأن يحفظ الكرامة المعبر عنها في لغة الفقهاء بـ”العرض”)، وهي الكرامة التي يجب أن تتضمنها مدونة الأسرة”.
ولم يفت وزير الشؤون الإسلامية أن يعبر عن “اعتزاز أعضاء المجلس العلمي الأعلى بتفضل الملك بإحالة بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة المرتبطة بالجانب الشرعي على المجلس قصد إبداء الرأي بشأنها، في حرص منه على إشراك العلماء في اتخاذ القرارات المرتبطة بحفظ ثوابت الدين ومقام إمارة المؤمنين”.
“حلول بديلة” للنسب والتعصيب
خلال كلمته، عاد التوفيق بالتفصيل إلى “المسائل الخلافية” التي أبدى فيها أعضاء المجلس العلمي الأعلى رأيا يتضمن “حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب”، حسب وصفه.
بخصوص “نسب الولد خارج الزواج”، أبرز الوزير أن “الحل البديل” هو “تحميل الأب كالأم المسؤولية عن حاجيات الولد دون إثبات النسب”، معللا بالقول: “لأن ثبوت النسب يخالف الشرع والدستور ويؤدي إلى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسرة بديلة”.
وتطرق التوفيق إلى مسألة “الوصية للوارث إذا لم يُجزها باقي الورثة”، مبرزا أن “الجواب هو حل بديل يتمثل في الهبة عوض الوصية، وعدم اشتراط الحيازة الفعلية”.
المسألة الثالثة هي “إلغاء التعصيب في حالة ترك البنات دون الأبناء”، أما الجواب البديل شرعيا فهو “الهبة للبنات وعدم اشتراط الحيازة الفعلية”.
وحسب عضو المجلس العلمي الأعلى، “هناك مسألتان أعطت فيهما اللجنة حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب ويمكن لولي الأمر أن يقرر فيهما ما يراه محققا للمصلحة؛ يتعلق الأمر بالتوارث بين الزوجين مختلفي الدين”، فيما كان الجواب هو “حل بديل يعطي لكل منهما أن يوصي أو يهب للآخر دون اشتراط الحيازة الفعلية، ويمكن الإشارة لذلك بشكل صريح في المادة 332 مباشرة بعد المنع”.
المسألة الأخرى تتمثل في “التوارث بين الكافل والمكفول” أو “التنزيل الواجب”، فيما أعطى المجلس العلمي الأعلى حلين بديلين، هما “يمكن لكل منهما حيازة المال في حال عدم وجود ورثة وتنازلت الدولة عن الإرث، ويمكن لكل منهما أن يوصي أو يهب للآخر بإراداته مع عدم اشتراط الحيازة الفعلية ويمكن لولي الأمر أن يفرض تنزيلا واجبا للمكفول بمقتضى القانون إذا رأى في ذلك مصلحة”.
“المصلحة المرسلة” ومجهود العلماء
فيما يتعلق بمدونة الأسرة، فإن “الجواب يبدأ بقضية أسس الافتاء؛ وهو الاجتهاد، وينتهي بقضية التفويض بعد أن سرد الرأي في الأمور المطروحة عليه”، يشرح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، مشددا على “ما ورد في نهاية الفتوى من تفويض العلماء لأمير المؤمنين، أي على أساس المصلحة المرسلة”.
وقال التوفيق: “أمير المؤمنين لم يخالف أي شيء مما ذكره العلماء ونصوا عليه؛ فهو يحملهم المسؤولية الكاملة في ذلك ويعطيهم المسؤولية والحرية وفي الوقت نفسه الثقة، كما جاء في تنويه الملك بمجهودهم في كلمة جلسة العمل يوم الاثنين”.
ولفت إلى أن “دور العلماء لا ينحصر في الإفتاء، بل هو في الأساس مجهود تبليغي تخليقي”، مفسرا: “لأننا نتحدث عن الحالات الاستثنائية وعن الحالات الحقوقية والحال أن العلاقة بين الزوج والزوجة كما نص عليها القرآن هي علاقة بالمعروف، وإذا كانت علاقة بالمعروف، فإن الأمر لا يصل إلى هذه النزاعات والى هذه المطالبات. ولكن هنالك استثناءات ينبغي أن يحميها ولي الأمر، هي التي تتعلق بما ينبغي أن يفعل في هذه النازلة أو تلك. ومن هذا التخليق المطلوب من العلماء الحرص على العلاقة بين الرجل والمرأة التي بناها القرآن على المعاشرة بالمعروف. الأمر السادس والأخير الذي ينبغي التذكير به هو أن العلماء وهم يفتون في كل الأمور، واعون بالتحديات المرتبطة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي التي تطرح عددا من المشاكل الدينية والدنيوية”.