الشامل المغربي

البرلمان الإلكتروني.. تجربة مغربية متفردة لإشراك المواطنين في صناعة القرار


كان التواصل مع أعضاء مجلس النواب المغربي، قبل سنة 2004، يشكّل تحديا حقيقيا، في ظل غياب أدوات التكنولوجيا الحديثة في المؤسسة التشريعية آنذاك، حيث كانت الإشعارات والرسائل تُرسل عبر التليكس والتلغرام، أو يتم الإعلان عن مواعيد اجتماعات هياكل المجلس من خلال نشرات الإذاعة الوطنية، وهي وسائل تبدو اليوم جزءا من الماضي البعيد، لكنها كانت الوسائل المتوفرة والأساسية في ذلك الوقت.

لقد واجهت المؤسسة التشريعية صعوبات كبيرة في إيصال الرسائل إلى ممثلي الأمة، حيث لم يكن الوصول إليهم أمرا سهلا، خصوصا الذين يبعدون بمئات الكيلومترات عن العاصمة الرباط، مما خلق ارتباكا في التنسيق، وعطّل جدول الأعمال في الكثير من المرات. وفي حال تغيّر موعد اجتماع لجنة نيابية أو جلسة برلمانية دون إشعار النواب، كان ذلك يُفقدهم فرصة الحضور، ويُؤثر سلبا على سير العمل البرلماني وفعاليته.

هذه التحديات التي واجهها مجلس النواب في تلك المرحلة، فرضت البحث عن حلول فعالة لضمان السرعة والدقة والآنية في التواصل مع أعضاء المجلس، وهو ما تحقق مع توظيف التكنولوجيا الرقمية في المنظومة البرلمانية، حيث ابتكر مجلس النواب سنة 2004، منصة رسائل شكلت “ثورة في الإخبار”، ومكنت من إشعار أعضاء المجلس بمواعيد الاجتماعات بسرعة عبر رسائل نصية قصيرة SMS.

غير أن التحول الأكبر الذي شهدته المؤسسة التشريعية جاء بعد إقرار دستور 2011، الذي منح مجلس النواب صلاحيات جديدة مثل تقييم السياسات العمومية، وتعزيز الديمقراطية التشاركية، وإحداث الجريدة الرسمية للبرلمان، كما ارتفع عدد أعضاء المجلس من 325 إلى 395 عضوا، بالإضافة إلى تغييرات أخرى في تركيبته وصلاحياته.

البرلمان الالكتروني

في حديثها لجريدة “العمق”، أكدت مصادر مسؤولة بمجلس النواب، أن الغرفة الأولى للبرلمان، وبعد مرور 3 سنوات على اعتماد دستور 2011، وتحديدا خلال نهاية الولاية التشريعية 2016-2011، تبنت استراتيجية واضحة للانتقال إلى البرلمان الإلكتروني، وذلك بقيادة رئيس المجلس آنذاك، راشيد الطالبي العلمي. هدفت إلى رفع فعالية العمل البرلماني، وشفافيته وانفتاحه على مكونات المجتمع، وتحسين جودة العمليات الإدارية والتشريعية، وذلك بهدف التقليل من الجهد واقتصاد الوقت، وتقوية أواصر تواصل المجلس مع المواطنين والشركاء.

وتفيد مصادر الجريدة، أن المجلس كان قبل اعتماد هذه الاستراتيجية الرقمية، يطبع حوالي 500 نسخة من مختلف الوثائق، سواء التي يُصدرها أو التي ترِد عليه من القطاعات الحكومية، والمؤسسات الدستورية الأخرى، الأمر الذي شكل عبئا ماليا كبيرا على ميزانية الغرفة الأولى للبرلمان. إلا أنه من خلال تنزيل محاور الاستراتيجية المذكورة، انخفض استخدام الورق بنسبة 90%، حيث لا يتجاوز توزيع النسخ الورقية حاليا 50 نسخة فقط. وأكدت المصادر نفسها أن هذه النقلة الرقمية شكلت تحولا نوعيا في أداء المجلس، إذ أسهمت بشكل كبير في تقليص هدر الورق، وقللت من التكاليف، وعززت فعالية الإجراءات.

رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أكد بمناسبة المباحثات التي جمعته برئيس البرلمان العربي، عبد الرحمن العسومي، أن مجلس النواب بدأ منذ عدة سنوات رقمنة العمل البرلماني والإداري، حيث أطلق سنة 2014 استراتيجية البرلمان الإلكتروني بهدف تحسين أداء المؤسسة وتعزيز الشفافية وتسهيل الوصول للمعلومات، مسجلا أن ورش الرقمنة ساهم في تحسين تدبير الوثائق وتوفير المعلومات بدقة وسرعة، مما عزز التواصل مع المواطنين والحكومة، معتبرا أن تجربة المجلس الرقمية أصبحت مرجعا إقليميا ودوليا، خاصة في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي.

بوابة إلكترونية متقدمة

تُعد البوابة الإلكترونية لمجلس النواب من الإنجازات المهمة التي تعكس رؤية المجلس في الانفتاح الرقمي وتعزيز التواصل مع الجمهور. ووفقا لمصدر مسؤول في إدارة المجلس، تتوفر البوابة بخمس لغات، مما يجعلها من المؤسسات القليلة في المغرب والعالم التي تعتمد هذا العدد من اللغات. كما يعتبر  مجلس  النواب رائدا في إدماج اللغة الأمازيغية، حيث يضم الموقع نسخة غنية تُعد الأفضل في المغرب.

وتوفر البوابة، نافذة مباشرة على الحياة البرلمانية، حيث يمكنهم متابعة الجلسات البرلمانية عن طريق البث المباشر، والاطلاع على تقارير اللجان الدائمة، ومختلف الأسئلة النيابية. كما تتيح الوصول إلى محاضر الجلسات العمومية، وأجندة العمل البرلماني. وتلتزم البوابة بنشر معطيات وفق النظام الداخلي لمجلس النواب، مثل تعهدات الحكومة وأجوبتها، والأسئلة الكتابية، والملتمسات في التشريع.

وتعد البوابة الإلكترونية، وفق المسؤول ذاته، مرجعا مهما للأجانب الراغبين في متابعة أعمال البرلمان المغربي، وكذلك لمغاربة العالم، الذين يَجِدون فيها وسيلة سهلة لمتابعة النقاشات والاطلاع على مختلف النصوص التشريعية الجديدة، كما تسعى البوابة إلى تقوية التواصل بين المواطنات والمواطنين مع ممثليهم في البرلمان، وتتيح خدمات عن بُعد لتلقي طلبات الزيارات، والاستفادة من الخدمات التي توفرها مكتبة المجلس، واعتماد الصحافيين، وطلبات التدريب، بالإضافة إلى الزيارة الافتراضية لمقر المجلس.

أما بخصوص تفاعل المجلس مع تعليقات وآراء المواطنين حول مشاريع القوانين، فيرى المصدر ذاته أن “بعض التعليقات غير جدية، أما التعليقات الجادة فيتم جمعها وإرسالها إلى المصالح المختصة أو تُحال على الفرق البرلمانية إذا رغبت في التفاعل معها”. وسجل أن” هناك فراغا قانونيا في النظام الداخلي بخصوص طريقة التعامل مع هذه الآراء، على عكس دول أخرى التي تعتمد قوانين وهيئات مخصصة لهذه المسألة.”

وأنشأ المجلس نافذة إلكترونية لكل عضو من أعضاء المجلس، بهدف إبراز أنشطته وأسئلته، مع تخصيص نافذة إلكترونية لكل فريق نيابي أو مجموعة نيابية للتعريف بالأسئلة ومقترحات القوانين التي يتقدمون بها، بالإضافة إلى تخصيص مواقع إلكترونية لكل لجنة نيابية دائمة، بالإضافة إلى إحداث مواقع إلكترونية خاصة بمكتب مجلس النواب والرئاسة، وبمجموعات العمل الموضوعاتية، ولجنة العرائض.

وفي إطار تصحيح الأخبار الخاطئة والإشاعات التي تنشر حول مجلس النواب في بعض المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، تم إنشاء ركن خاص داخل البوابة الإلكترونية معنون بـ”من حقك أن تعرف” لمواكبة هذه الأخبار وتقديم المعطيات الصحيحة بشأنها.

وأشاد التقرير الثالث الصادر عن البرلمان الدولي في 2022 بالخدمات التي تقدمها بوابة مجلس النواب، خاصة البث المباشر للجلسات عبر “يوتيوب” و”فيسبوك”. ونقل التقرير عن عزيز محب، المسؤول عن الإعلام والتواصل بالمجلس، قوله إن الجهود المبذولة لتوسيع جمهور البرلمان وإعلام المواطنين بأعماله تهدف إلى تعزيز فهمهم وزيادة تفاعلهم، مشيرا إلى أن المواطنين بدأوا يدركون أهمية العمل البرلماني الذي لا يقتصر فقط على الجلسات العامة، بل يشمل أيضا عملا كبيرا على مستوى اللجان.

روبوت متعلم

أطلق مجلس النواب أنظمة إلكترونية، “مبتكرة” تُعد من بين الأبرز على المستويين الإفريقي والدولي، أبرزها نظام الاستنساخ الإلكتروني لمحاضر الجلسات العمومية، الذي تم تطويره خلال عامي 2015 و2016. وقد أحدث هذا النظام نقلة نوعية في سرعة ودقة استنساخ المحاضر، معتمداً على الذكاء الاصطناعي لتحويل النقاشات الدائرة في الجلسات واللجان الدائمة، بما فيها اللغة “الدارجة” المستخدمة من قبل النواب، إلى نصوص مكتوبة بشكل آلي.

هذا النظام، الذي طُور بالكامل بكفاءات مغربية عبر شركة وطنية متخصصة، يُستخدم في عدد محدود جداً من البرلمانات حول العالم، ويعتمد على تدريب تقني باستخدام تسجيلات سابقة وإجراء تصحيحات دقيقة، ما أتاح استخراج محاضر الجلسات العمومية خلال ساعات قليلة من انتهائها

من أبرز مميزات هذا النظام هو اعتماده على “روبوت متعلم ذاتيا” يطور مهاراته باستمرار بناء على التصحيحات التي تُجرى عليه، مما يُحسن أداءه ويُقلل نسبة الأخطاء. ومع وصول المشروع إلى مرحلة متقدمة للغاية ونسبة خطأ ضئيلة جدا، أصبحت دقة النظام تعتمد بشكل كبير على جودة الصوت الوارد عبر الميكروفونات. ويُعتبر هذا النظام أداة فعالة تُسهم في توثيق الجلسات البرلمانية بدقة وسرعة، ما يعكس التزام مجلس النواب بالابتكار والتطوير التقني.

ورغم ريادة هذا النظام، أوضح مسؤول بإدارة مجلس النواب، خلال مقابلة مع جريدة “العمق”، أنه لا يزال قيد التطوير ليشمل اللغة الأمازيغية، حيث يجري العمل حاليا على إدماجها اعتمادا على تطورات الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، طوّر المجلس أنظمة إلكترونية أخرى تعزز من أدائه، مثل نظام تدبير الأسئلة الشفهية والكتابية، حيث تتيح هذه العملية تبادل الأسئلة والأجوبة بين النواب والحكومة بطريقة إلكترونية، إضافة إلى رقمنة تعهدات الحكومة، ورقمنة الدراسة والتصويت على النصوص التشريعية، ورقمنة تبادل المعطيات مع الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، وتدبير اجتماعات المكتب واللجان وباقي الهيئات، وتدبير الأنشطة الدبلوماسية.

لوحات إلكترونية للنواب

يعتبر توفير لوحات إلكترونية لأعضاء مجلس النواب، أحد أبرز محاور التحول الرقمي للمجلس، وهي المبادرة التي انطلقت خلال السنة التشريعية 2014-2015. ووفقا للمعطيات التي تحصلت عليها جريدة “العمق”، فإن هذه اللوحات تتيح لعضو المجلس الوصول إلى جميع الوثائق الضرورية في عمله البرلماني، مثل  الدستور، ومختلف النصوص التشريعية، والنظام الداخلي للمجلس، بالإضافة إلى نظام يتيح طرح الأسئلة عن بعد وتتبعها.

كما توفر هذه الأجهزة مكتبات إلكترونية تمنح الأعضاء إمكانية الاطلاع على الكتب بشكل رقمي، إلى جانب اشتراك المجلس في عدة مكتبات إلكترونية. وتضم اللوحات أيضا البريد الإلكتروني الخاص بالمجلس، حيث يتم تخصيص بريد مهني لكل عضو بصيغة @parlment.ma، مع تطوير تطبيق يُمكّنهم من البحث الإلكتروني في النظام الداخلي للمجلس بواسطة كلمات مفتاحية.

ووفقا للمعطيات نفسها، أدى اعتماد اللوحات الإلكترونية إلى إلغاء الحاجة لطباعة وتوزيع الوثائق الورقية، حيث أصبح بالإمكان إرسال التقارير، ومشاريع ومقترحات القوانين مباشرة إلى النواب عبر أجهزتهم الإلكترونية، إضافة إلى إتاحتها على الموقع الإلكتروني للمجلس.

هذه الخطوة، التي بدأت منذ عام 2014، تمثل تحولا جذريا في تسهيل العمل البرلماني وتقليل الاعتماد على الورق، بالرغم من تسجيل عدم استخدام عدد كبير من أعضاء مجلس النواب لها خلال الاجتماعات وتشبثهم بالحصول على التقارير بشكل ورقي.

فيما يخص البطاقة الإلكترونية للنائب البرلماني، تشير المعطيات ذاتها، إلى أنها تُستخدم حاليا لإثبات الحضور، بينما يبقى التصويت الإلكتروني ممكنا من الناحية التقنية، لكن النظام الداخلي ينص على أن التصويت يمكن أن يكون يدويا أو إلكترونيا، وهذا يتطلب قرارا واضحا من مكتب المجلس، وهو ما لم يتم إعتماد بعد.

رقمنة قانون المالية

اعتمد مجلس النواب نظاما إلكترونيا للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية السنوي، ليصبح من البرلمانات القليلة في العالم التي تستخدم هذه التقنية. ووفقا لمصادر مسؤولة بمجلس النواب، فقد بدأ العمل بهذا النظام سنة 2022، لكنه لم يكن ناجحا بالكامل، بينما كانت التجربة في 2023 أكثر نجاحا، وفي 2024 تمكن المجلس من رقمنة جميع المراحل دراسة والتصويت على هذا المشروع بشكل كامل.

ويعد مشروع قانون المالية من النصوص المعقدة التي يتعامل معها مجلس النواب، حيث يتطلب تعديلات على نصوص قانونية أخرى مثل مدونتي الضرائب والجمارك، ويشهد المشروع أيضا تدخل عدة جهات، بما في ذلك وزارة الاقتصاد والمالية، والأمانة العامة للحكومة، ولجنة المالية في مجلس النواب، بالإضافة إلى الفرق والمجموعة النيابية التي تتقدم بالكثير من التعديلات.

وأشارت المصادر ذاتها، إلى أنه بتوجيهات من رئيس مجلس النواب، تم التنسيق مع وزارة الاقتصاد والمالية لإنشاء النظام الإلكتروني المذكور، بما يسهل جميع مراحل دراسة مشروع قانون المالية، من الإيداع إلى التصويت. ورغم التحديات التي واجهت أول تجربة في 2022، نجح المجلس في رقمنة المشروع بشكل شامل في 2024، مما ساعد على تسريع العملية.

ويخطط مجلس النواب، لتوسيع العمل بهذا النظام ليشمل جميع مشاريع القوانين، بدءا من مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الذي تمت رقمنة مراحل الدراسة والتصويت النهائي بالجلسة العامة الثلاثاء 24 دجنبر الجاري، مؤكدة أنه يتم تنفيذ كل هذه العمليات بقدرات داخلية، وبجهود الفريق التقني الداخلي، والتعاون مع مديريتي التشريع والأنظمة المعلوماتية، دون الاستعانة بشركات خارجية.

رقمنة الأرشيف

قبل الشروع في تنزيل الاستراتيجية الرقمية، كان الأرشيف البرلماني يعرف حالة من الفوضى، حيث تكدست الوثائق بشكل عشوائي وعلاها الغبار، وغمرتها الرطوبة، مما أدى إلى إهدار وقت وجهد أعضاء المجلس وأطره وموظفيه، وعموم الدارسين، في البحث المضني. غير أنه منذ إطلاق مشروع رقمنة الأرشيف عام 2015، تمكّن المجلس من رقمنة أكثر من 15 مليون صفحة، بحسب المعطيات الحصرية التي تحصلت عليها جريدة “العمق”.

وتمكنت جريدة “العمق” من زيارة مستودع الأرشيف الذي يضم وثائق تعود إلى تجربة المجلس الوطني الاستشاري (1956-1959)، وأول برلمان مغربي لعام 1963 حتى اليوم، باستثناء أرشيف الولاية التشريعية (2016-2021)، الذي لا يزال قيد المعالجة. ووفقا لمسؤول في مصلحة الأرشيف، تُخضع الوثائق الأرشيفية للمعالجة قبل رقمنتها وإدراجها ضمن الشبكة الداخلية للمجلس، حيث تكون متاحة لأعضاء المجلس والموظفين والأطر فقط، فيما يمكن للباحثين الحصول على وثائق غير سرية عبر البريد الإلكتروني أو زيارة مقر المجلس.

يشمل الأرشيف البرلماني وثائق متنوعة لمصالح ووحدات المجلس، مثل الموارد البشرية، المالية، الجلسات العامة، اللجان، الفرق والمجموعات البرلمانية، الحسابات، المكتبة، وقسم تدبير الموارد المادية. ويتم تنظيم وتخزين هذه الوثائق باستخدام رفوف قابلة للتحريك (RAYONNAGE AMOVIBLE)، ما يضمن مرونة في إدارة الأرشيف.

ووفقا للمعطيات التي حصلت عليها “العمق”، تتم إدارة الأرشيف بتنسيق بين مصلحتين: مصلحة الربائد، التي تضم خمسة موظفين متخصصين في علوم الإعلام، التوثيق، إدارة الوثائق، والرقمنة، إضافة إلى مهندس دولة مختص في الأرشيف الإلكتروني، وموظف في التوثيق القانوني؛ ومصلحة تطوير الأنظمة المعلوماتية، التي تعمل على تطوير تطبيق خاص بإدارة الأرشيف والذي يوجد في مراحل إعداده النهائية، سيتم تعميمه قريبا على مختلف الوحدات الإدارية.

وأكد مصدر مسؤول بمصلحة الأرشيف، أن مشروع الرقمنة انطلق بين 2015 و2018 واستمر أربع سنوات، ومر بمرحلتين أساسيتين: الأولى تمثلت في معالجة الوثائق ماديا لتحسين حالتها وضمان جودتها، والثانية في رقمنتها وإدماجها ضمن الشبكة الداخلية للمجلس. وقد واجه المشروع تحديات تقنية، أبرزها صعوبة قراءة الوثائق القديمة بسبب تدهور حالتها أو ضعف جودة الطباعة.

ومع نهاية كل ولاية تشريعية، تتم رقمنة الوثائق الخاصة بها، وعلى الرغم من بطء العمل في بداية الولاية، إلا أن المصالح والمكاتب تعتمد على تلك الوثائق طوال الفترة التشريعية. وعند انتهائها، تُحوَّل الملفات المكتملة إلى مصلحة الأرشيف، مما يؤدي إلى تراكم كبير في الوثائق، حيث يُقدَّر عدد الصناديق بحوالي 700 صندوق لكل ولاية.

مشكلة مستودع الأرشيف تكمن في محدودية الفضاء مقارنة بحجم الإنتاج الكبير للوثائق، مما يستدعي، حسب مصدر مسؤول بمصلحة الأرشيف، “تدبيرا فعالا لتجنب الامتلاء السريع”، لافتا إلى أنه تجري دراسة إمكانية إتلاف الوثائق القديمة التي فقدت قيمتها القانونية أو التاريخية، مع اقتراح تخزين الأرشيف طويل الأمد في مستودعات خارج المجلس أو عبر شركات متخصصة، في انتظار قرار المسؤولين بعد دراسة المقترحين.

أرشيف بمعايير دولية

ووفقا لما عاينته جريدة “العمق”، تم تصميم المستودع الحالي وفق المعايير الدولية، مع تجهيزات تشمل أجهزة لامتصاص الرطوبة، وتهوية ملائمة، ومنع مرور قنوات المياه، واستخدام صناديق ورقية مقاومة للحريق ذات جودة عالية قادرة على تحمل الحرارة لمدة تصل إلى 35 دقيقة، مما يوفر حماية فعالة للوثائق. ورغم تكلفتها، تُعتبر هذه الصناديق استثمارا طويل الأمد أثبت فعاليته على مدار 10 سنوات، يؤكد المسؤول ذاته.

“داتا سانتر”

يُعتبر مركز البيانات بمجلس النواب القلب النابض للعمل البرلماني الحديث، حيث يضم أحدث الأجهزة والخوادم والتقنيات التي تدعم نظاما متكاملا لإدارة المعلومات. خلال زيارة “جريدة العمق” للمركز، اطلعنا على البنية التحتية الرقمية المتطورة التي تسهل العمل البرلماني وتضمن استمراريته.

مركز البيانات قبل تحديثه في إطار استراتيجية رقمنة العمل البرلماني

يتميز نظام التخزين في المركز بثلاث مستويات أمان متتالية لضمان حماية البيانات من الكوارث والأعطاب التقنية. كما يتم تخزين النسخ الاحتياطية للبيانات في موقع خارجي آمن بعيدا عن المركز الرئيسي، ما يضمن استمرارية العمل في أي ظرف طارئ، وهو يجعل مركز البيانات نموذجا يُحتذى به في مجال إدارة البيانات وحماية المعلومات.

مركز البيانات في حلته الجديدة

ويعمل المركز على ضمان استمرارية الخدمات دون انقطاع، حيث لا تتجاوز فترة توقف الأنظمة عند حدوث أي عطب تقني 15 دقيقة. ولتعزيز هذا المستوى العالي من الجاهزية، تُجرى محاكاة لحالات الطوارئ مرتين سنويا. ويتم خلالها اختبار الاتصال بنظام التخزين الاحتياطي الواقع في موقع بعيد باستخدام شبكات الإنترنت المتاحة مثل 4G وADSL، وقد أثبتت هذه الاختبارات فعالية النظام وقدرته على التعامل مع مختلف الظروف الطارئة.

يتولى فريق الصيانة التقنية متابعة سير العمل بكفاءة عالية، من خلال القيام بجولات تفقد يومية تشمل الأجهزة والخوادم. وتشمل هذه الجولات فحص أداء أنظمة التبريد، التي تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على كفاءة الخوادم. ويتم تسجيل جميع الملاحظات المتعلقة بأداء الأجهزة بشكل منتظم، ما يساعد على اكتشاف الأعطال أو المشاكل التقنية في مهدها ومعالجتها فورا، مما يساهم في الحفاظ على استقرار الأنظمة وتقليل خطر التعطل المفاجئ.

التواصل الاجتماعي

يحرص مجلس النواب على تعزيز حضوره في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تضم صفحة المجلس على فيسبوك أكثر من 170 ألف متابع، وهي من بين الأكثر نشاطا بين مؤسسات الدولة. وعلى تويتر، يتابع المجلس 200 ألف، معظمهم من الدبلوماسيين والبرلمانيين المغاربة والأجانب، أما على إنستغرام، فيتجاوز عدد المتابعين 30 ألفا، فيما تضم قناة المجلس على يوتيوب أكثر من 35 ألف مشترك، حيث تُبث الجلسات العمومية والأنشطة الدراسية.

وأشارت مصادر من مديرية التواصل بمجلس النواب، في حديث مع جريدة “العمق”، إلى أنه خلال جائحة كورونا، اكتسبت القناة على يوتيوب أهمية إضافية، إذ بُثت من خلالها اجتماعات اللجان، رغم سرّيتها وفق الدستور، تماشيا مع الظروف الاستثنائية وحاجة المواطنين إلى المعلومة، مؤكدا أن هذا التفاعل الرقمي جعل المجلس مثالا يحتذى به في مجال التواصل والانفتاح الرقمي.

كما سجلت، أن المؤسسة التشريعية اجتازت تلك المرحلة بنجاح، بينما توقفت برلمانات عريقة في دول أخرى، مشددا على أن استمرار عمل المجلس خلال الجائحة يعود إلى الإرادة السياسية القوية، وتوفر البنية المعلوماتية المتطورة التي مكنت من عقد الاجتماعات عن بعد، ومواصلة الأنشطة البرلمانية.

الهجمات السيرانية

مع تصاعد التهديدات الإلكترونية عالميا، أصبح مجلس النواب هدفا محتملا للهجمات السيبرانية من عصابات إجرامية منظمة أو من جهات معادية للمغرب، باعتباره رمزا للسيادة الوطنية. ووفقا لما صرح به مسؤول رفيع بالمؤسسة التشريعية، فإن المجلس يسجل يوميا هجمات سيبرانية، ما يستدعي اتخاذ إجراءات وقائية مستمرة لحماية المعطيات الرقمية.

وأكد المسؤول ذاته أن مجلس النواب، مباشرة بعد إقرار القانون المتعلق بالأمن السيبراني، انخرط في تنفيذ مقتضياته للتصدي للمخاطر الكبيرة المحدقة به، أن المجلس لديه خطة متكاملة بالتنسيق مع إدارة الدفاع الوطني، تشمل تعزيز البنية التحتية للمعلومات، وتطبيق إجراءات دقيقة لتأمين المعطيات الرقمية. كما تتضمن الخطة تكوينات سنوية للموظفين والأطر، للتعامل مع الروابط المشبوهة والوقاية من الهجمات، مما يسهم في الحفاظ على سلامة البيانات وأمن المؤسسة السيادية.

معركة يومية

يسعى مجلس النواب، بحسب مسؤول رفيع بإدارة مجلس النواب، إلى نقل الخبرات الرقمية المتراكمة للأجيال الجديدة من الموظفين، من خلال تعزيز المكتسبات وتطويرها لأن الرقمنة بتعبيره “معركة يومية”، مضيفا أن المجلس يعمل على توثيق العمليات وتبسيط الإجراءات داخل كل مديرية لتسهيل أداء المهام وضمان كفاءة الخدمات، بما يضمن استمرارية مسيرة التحول الرقمي وتوسيع نطاقها.

في سياق متصل، أشار إلى أن المجلس يعمل على الدخول في المرحلة الثانية من التحول الرقمي، مع التركيز على مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي ودمج التطبيقات الرقمية للمديريات في نظام موحد، مبرزا أن الهدف من هذه الجهود هو تقديم إدارة برلمانية أكثر تكاملا، مع توفير خارطة طريق واضحة للمسؤولين الحاليين والمستقبليين.

وعزا المسؤول ذاته هذه الانجازات إلى الدعم القوي من رئيس المجلس رشيد الطالبي العلمي، الذي يلعب دورا محوريا في دفع المشروع، بالإضافة إلى تفاني الموظفين الذين يعتبرون أن نجاح هذا المشروع يمس حاضر ومستقبل المؤسسة التشريعية، بوصفها ركيزة أساسية في الهندسة الدستورية للمغرب ومؤسسة وطنية تحمل تطلعات الشعب والملك.

الفجوة الرقمية

يرى متتبعون للشأن البرلماني أنه، رغم الإنجازات الهامة التي حققها مجلس النواب في مجال التحول الرقمي، فإن هذا المشروع لا يزال يواجه العديد من التحديات، أبرزها عدم تأقلم عدد كبير من أعضاء المجلس مع التكنولوجيا الحديثة، حيث لا يتجاوز عدد النواب الذين يستخدمون الأجهزة اللوحية الإلكترونية الموزعة عليهم أصابع اليد الواحدة، بينما تواصل الغالبية العظمى اعتماد الوسائل التقليدية.

كما يُسجل عدم اللجوء إلى التصويت الإلكتروني في الجلسات التشريعية، وهو عنصر أساسي في التحول الرقمي، حيث يعتبر متتبعون أن عدم تبني هذا النظام يحرم المجلس من فرصة تعزيز الشفافية وضمان الدقة في عمليات التصويت. إضافة إلى ذلك، يفتقر العديد من الأعضاء، وخاصة الذين يتوفرون على مستوى دراسي محدود، إلى التدريب المستمر على الأنظمة الرقمية، مما يزيد من الفجوة بين التطور التكنولوجي وقدرتهم على استخدامه بفعالية.

ومن النواقص الأخرى التي تواجه تعميم الرقمنة بمجلس النواب، محدودية التطبيقات التفاعلية التي تتيح للمواطنين التواصل المباشر مع النواب، كما أن قنوات التفاعل مع المواطنين لا تزال بحاجة إلى تحسين وتوسيع، بما يضمن إشراك الرأي العام في العملية التشريعية بشكل أكثر فاعلية. ويلاحظ أن الفجوة بين المواطنين والنواب ما زالت قائمة، مما يقلل من مستوى الشفافية ويحد من قدرة المواطنين على التأثير في القرارات السياسية والتشريعية.

في هذا الإطار، دعا الباحث في التطوير الرقمي والمعلوماتي حسن خرجوج إلى تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي في العمل البرلماني لتحسين أداء المؤسسة التشريعية وتعزيز شفافيتها. وأوضح أن استخدام أدوات تحليل البيانات المتقدمة سيساعد في اتخاذ قرارات أكثر استنارة، سواء في صياغة القوانين أو تحديد الأولويات التشريعية بناءً على احتياجات المجتمع، مؤكدا أن اعتماد هذه التقنية سيُسهم في تعزيز ثقة المواطنين، وتمكين الشباب من المشاركة الفعّالة، وتحقيق برلمان أكثر كفاءة وشفافية.

وطرح الخبير المعلوماتي حسن خرجوج، في تصريح لجريدة “العمق”، حلولا لتعزيز التفاعل بين المواطنين والبرلمان باستخدام تطبيقات مثل “الشات بوت”، التي توفر قنوات مباشرة لطرح الاستفسارات والحصول على ردود فورية، مشيرا إلى أهمية تطوير قدرات النواب والعاملين في البرلمان عبر منصة تدريبية رقمية تُخصص لتعزيز استخدامهم للتقنيات الحديثة، ما يساهم في رفع كفاءة الأداء العام للمؤسسة.

وشدد خرجوج على ضرورة إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لكل قانون جديد، بما يضمن جودة التشريعات وتوافقها مع أهداف التنمية. كما دعا إلى بناء نظام معلومات متكامل يربط البرلمان بالوزارات المختلفة، لتسهيل تدفق المعلومات وزيادة كفاءة العمل البرلماني.



Source link

Exit mobile version